في بداية هذا الحوار أشكرك على إتاحة الفرصة لي لإجراء هذا الحوار معك عبد الحليم
أول سؤال في ذهن كل قارئ الآن من هو عبد الحليم بدران؟
عبد الحليم بدران, يوتبر جزائري ذو صيت عربي ، كاتب و مُلقي لأكثر من 100 مونودرام صوتي ، مؤلف سلسلة المتمرد و التي تحمل في طياتها محبوبة المتابعين سلسلة " انفصام " بكامل أجزائها و صدر عنه كذلك الرواية النفسية و الروحية اللا-مفرداتية أو الأليكسثيمية.
متى ظهرت موهبتك في الكتابة و كيف كانت رحلتك مع الكتابة و النشر؟
في الحقيقة لم أتخيل يوما أنني سأغدو كاتبا ، لكن قدر الله و ما شاء فعل ، أذكر أن الأمر بدأ سنة 2017 حيث عزمت أن ألقي نصوصي التي كنت أكتبها من سن الطفولة ، حينها بدأت باِكتشاف و تطوير هذه الموهبة التي أحمد الله عليها.
بدأت رحلتي في ميدان النشر في مارس 2018 حيث صدر كتابي الأول " المتمرد " و قمت بتوزيعه يدويا في ربوع الوطن عبر تنظيم ملتقيات مع قرائي في أماكن عامة ، كانت تلك أول سنة لي في المعرض الدولي للكتاب " سيلا 2018 " و الذي حاز فيه كتابي المرتبة الأولى للمبيعات على مستوى دار النشر.
هل هناك هدف تريد إيصاله لقرائك من خلال إصدارتك؟
بعد هذا السؤال خطرت ببالي أجوبة عديدة و كثير من الأشياء التي أود قولها ، لكنني لا أجد رسالة أبلغ من التي أتيت حاملا إياها إلى هذا المجال " نحن أرواح بقوى مرعبة ، تحتاج أن نؤمن بها فقط! "
كيف كان الإقبال لإصدارتك وما هي الآراء التي وصلتك عنها؟
صحيح أن مؤلفاتي تحوز المرتبة الأولى للمبيعات في المحتفلات الدولية و الوطنية إلا أنني أدين لقرائي بالمزيد و المزيد من النجاح ، فمنذ أول ملتقى لي مع جمهوري " العائلة " و إلى آخر لقاء حتى الآن ، كانت عائلتي الثانية تدعمني و مؤلفاتي بكل قوتها ، أتلقى رسائلا طوال الوقت على حساباتي و يخبرني فيها المتابعين عن مدى تأثرهم بالكِتاب و كيف أنه قام بمهمة الكِتاب الرئيسية، ألا و هي أن يكون أنيسا و رفيقا لك في أوقات المحن و أن تحمل جزء منه معك حتى بعد أن تنتهي من قرائته!
كيف تستطيع الاهتمام بالقراء والوصول الى مشاعرهم؟
في الحقيقة ، رحلاتي حول البلد و التي تقدر حتى الآن ب 450 ألف كلم ، منحتني فرصة لمشاركة قرائي لهجاتهم و أفكارهم و مشاكلهم و حتى أطباقهم التقليدية ، لقد تغلغلت في عقلية أجيال مختلفة و هذا علمني شيئا مهما في النهاية " أن التشابه الفكري بين مختلف الأعمار لا حصر له ، نحن فقط نستخدم كلمات مختلفة و ترتيب مختلف أكثر " لهذا صرت أهتم بتطوير نظرتي الشخصية للحياة أكثر من محاولة كتابة النص المثالي ، إن السبيل الوحيد للوصول إلى قلوب القراء هو وصول الكاتب لقلبه " فإن كان عاجزا عن لمس قلبه ، كيف يريد أن يلمس قلوب الآخرين؟ "
هل الكتابة هدف أم وسيلة؟ و هل الموهبة وحدها تكفى ليكون الكاتب قادر على صياغة نص جيد؟
إن كتابة النص المثالي هي هدف كل كاتب حتى و إن كان يرفض مشاركته ، لكن ماهية الكتابة في الحقيقة تتخطى فكرة " الكاتب " بكثير ، فالغرض الأساسي لوجود الكاتب هو ترجمة المعاني الحسية و الفكرية إلى جمل مرتبة سهلة الفهم و الاستيعاب للفئات الأخرى، إذا فعملية الكتابة كاملة هي وسيلة تواصل أكثر.
إن الموهبة كفيلة بصناعة فكرة النص ، لكنها بحاجة لتُصقٓل بالرصيد اللغوي و المعرفي و الفكري لكي لا تكون فكرة عارية سهلة القذف و معرّضة للنقد من المارة و العابرين.
ما فائدة الكتابة، ما جدواها، ما هو موقع الأدب في فعل التغيير؟
إنني أصدق أن الكتابة هي المساحة الوحيدة التي يُتاح فيها للمرء أن يلتقي نفسه الدفينة في حالة وعي كامل! و السؤال لقارئ هذا المقال .. ما فائدة أن تلتقي نفسك الدفينة و يُشرٓح لك صدرُك؟
من وجة نظري أقول أن الكتابة هي اِنعكاس لرؤية الكاتب في موضوع ما ، فإما أن تكون جدواها فردية و تُساعد ممارسِها على تطوير لغة يتواصل بها مع نفسه بشكل أكبر و إما أن تكون لها جدوى إجتماعية تُساهِم في توعية الأجيال و تعبئة رصيدها الفكرية ، إن الكتابة في المجمل هي عملية نقل الاِستنتاجات الأخيرة و الشروحات الحاسمة و المفاهيم المُقتٓنع بها من الفِكر إلى الورق ، و يمتد تأثيرها حسب قوة الأفكار و المواضيع المعالجة و كذلك الجمالية الأدبية.
لطالما اِمتلك الأدب موقعا مرموقا و مُهما كسائر المجالات الرائجة اِقتصاديا في يومنا هذا ، و أنصف في لعب دور المساهم في التغيير منذ عصور قديمة و ها نحن نرى مؤخرا أن الأدب يقتحم عالم السينما ليزيد من أرقامه و يغدو مجالا يصعب التخلي عنه مستقبلا.
ماهى أهم المهارات الواجب توفرها لدى الكاتب؟ و كيف على الكاتب أن يطور أدواته التعبيرية وطاقاته الفكرية؟
أعتقد أن أهم مهارة على الإنسان تطويرها هي " القراءة التحليلية " و لا يقتصِر هذا المفهوم الأخير على قراءة الكتب فقط ، بل قراءة كل ما يمكن أن يُقرأ .. من الأنظمة الإجتماعية و السلوكيات الفردية و الخفايا السياسية و ميكانيك الطبيعة و ما ورائها و النفس و ما شأنها ..، فأحيانا إن أراد الكاتب تطوير نصوصه و ما تخط يداه فعليه تطوير رؤيته الحياتية كإنسان أولا ، أما من الجانب التقني فالوصول إلى لغة ثرية و مرنة تمنح خيارات عديدة لصاحبها هو أمر لا بد منه لفك شفرة القراءات الأخرى و توفير شرح مُبسط و جميل للأفكار المكتسبة من الحياة.
بالنسبة لك من هو الكاتب الناجح؟
إن الكاتب الناجح في نظري.. هو الإنسان الشجاع الذي يضحي بأجزاء من قصصه الشخصية و عواطفه الدفينة في سبيل نقل رسالة مهمة بين السطور ، أعتقد أن الكاتب الناجح هو الذي يقول أشياء خاطئة متعمدا أحيانا في سبيل إحداث الصواب ، و لا يقوم بشيء كهذا إلا من أدرك حجم مسؤوليته اِتجاه قراءه.
من خلال تصفحي حسابك في الانستغرام وجدت هناك علاقة حب قوية للون الأسود ، ما السر في تفضيلك لهذا اللون؟
ههه .. إن اللون الأسود لا يتجاوز كونه لون من ألواني المفضلة في الحقيقة ، الأبيض الرمادي و الأسود ..
لمن يقرأ الكاتب عبد الحليم بدران؟ و ما نوع الكتب التي تستهويك؟
مؤخرا وجدت نفسي ميالا بشدة لمؤلفات الفيلسوفين أرتور شوبنهاور ، و سيغمون فرويد و أرتشف من فِكر دكتور علم النفس الغربي جوردون بيترسون ، كما أتناول القليل من الكتب الكلاسيكية و شبه الأكاديمية من حين لآخر و للتحلية أستمتع بالمؤلفات العربية القديمة و الحديثة ، أي أن ما يستهويني من الكتب غالبا فلسفي و نفسي أو تعليمي ..
مالذي يلهم قلم ✏ عبد الحليم عادة؟ و هل فكرت بالكتابة بالفرنسية ولماذا؟
لطالما بحثت عن إجابة مقنعة لهذا السؤال ، و اخيرا وجدت أن ما يُلهِمني حقا هو الكون. جملة حتى و لو كنت أختلي بتفصيل صغير لا يدري أحد من أين أحضرته ، فأنا أعلم في قرارة نفسي أن الخالق قد وضع هذا الكون هنا لنستلهم منه نحن المنشغلون بالحروف أثناء العيش!
في الحقيقة كتبت الكثير من الأغاني باللغة الفرنسية ، لكن حين يكون موضوعي الأدب فأنا أفضل لغة ثرية تمنحني حريّة أكبر كالعربية و الإنجليزية.
هل أنت مع أم ضد الكتابة بالعامية و لماذا؟
لا أظن أنني أملك الحق في أن أكون مع الكتابة بالعامية أو ضدها ، لأنني ببساطة سأحشر أنفي في عقلية إنسان لأطالبه بتغيير لغة تواصله مع نظامه العصبي أثناء الكتابة دون تعليمه لغة بديلة ، و أعتقد ان هذا وقح جدا!
أظن أن إعتماد اللغة العربية في التعبير يتطلب ممارسة و إتقان ، و قبل أن نطلب من الآخرين إعتمادها في الكتابة علينا أن نتقبل اِستخدامها في شوارعنا أولا.
للهجات العامية جمهورها و متابعيها مثل " الشعر الملحون التقليدي " و للغة العربية جمهورها و هو أكثر عددا و للغة الإنجليزية جمهورها العالمي ، إن الهدف الحقيقي هو زيادة المقروئية و يبقى الخيار للكاتب إذا ما كان يريد أن يكتب لأبناء حيّه أم للعالم أجمع.
إنتقادات سلبية كثيرة توجه للإعلامين و الكتّاب و الفنانين ، كيف يتعامل معها عبد الحليم بدران؟ برأيك ماهو النقد بشكله الصحيح و من له الحق في توجيه النقد؟
صراحة ، لم أعرف النقد الهدام يوم دخلت مجال الكتابة فقط ، فعلى ما أذكر جميعنا ترعرعنا في مجتمع ناقد لسبب مجهول ، لذلك لم يكن للنقد الهدام تأثير كبير على مسيرتي فأنا أحاول دائما أن أبقى منشغلا بمشاريعي المستقبيلة ، و رغم كثرة النقاد و تنوعهم إلا أنني حصلت على شرف مجالسة نقاد كبار و مخضرمين في المجال و سررت بالاِنصات لملاحظاتهم و اِرشاداتهم المبنية على شهادات في النقد و خبرات عظيمة لا يُستهان بها ، و منه أقول أن النقد الصحيح هو التصحيح و ليس الاستبعاد! فنرى الكثير من النقاد غير المؤهلين يستبعدون بناء كاملا لأن نافذة واحدة مكسورة و هذا هو الهدم الذي اتمنى أن لا تروح ضحيته مواهب تحتاج للصقل و التصحيح و ليس الإستبعاد الفوري.
من يستطيع أن يقول عن الكاتب أنه موهوب، الناقد أم القارئ أم الزمن؟
في رأيي ، لا أحد يستطيع أن يقول عن الكاتب موهوبا غيرُ نصِّه و الزمن ، فبعد أن تلعب الموهبة دورها بنجاح إما ان يحيا اسم الكاتب أو عنوان كتابه او نصه! ..
وهل واجهت أيَّة صعوبات في بداية مشوارك في الكتابة؛ سواءً من الأسرة أو المجتمع؟
نعم بالتأكيد كانت هناك أوقات لم أستطع شرح نفسي فيها لعائلتي و مجتمعي حول قرار الكتابة ، لكنني راهنت بكل شيء و عزمت أن أتحمّل خسارتي لوحدي و في النهاية لم يخيبني الله و كسبتُ ذاك الرهان!
و ماهي المشكلات التي تعترض كتّاب الجزائر في رايك؟
إن المشكلة الأساسية التي تواجه الكتاب في الجزائر هي الأفُقُ المحدود ، فمهما اِرتفعت قيمة الكاتب و مهما بلغت كتبه من الشهرة سيبقى حبيسا لمجال الكتاب الذي لا يتم دعمه بالشكل الكافي من قبل غالبية المجتمع و الجهات الحكومية المعنية , في حين أن الأعمال الأدبية تعتبر طرفا مهما في دفع العجلة الإقتصادية عند الدول المتطورة و تكافئ بترجمتها إلى أعمال سينمائية و مسلسلات ، تبقى الأعمال الأدبية الجزائرية حبيسة القارة النائمة ، فتحيا و تموت دون أنن تتاح لها الفرص الكافية للسطوع و تحفيز كتاب الأجيال القادمة.
هل الكتابة بالنسبة لك هي وسيلة لتمرير رسائل؟ برأيك عبد الحليم …ما هي مهمة الكاتب، الشاعر، الفنان، المؤثر في هذه الحياة؟
قد لا أخبرك عن مهمة كل من ذكرتهم فلكل فنان هويته و هدفه ، لكن يمكنني أن أخبرك عن مهمتي أو ما أعتبره مسؤوليتي " الإلهام و الإرشاد " كمؤثر على فئة شابّة من المجتمع ، أدرك جيدا أن نجاحي في عمل أدبي أو مونودرامي يعني اِستقطاب شباب أكثر للمجالو إلهامهم لتفجير طاقاتهم الإبداعية بشتى الطرق و اِستكشاف مواهبهم التي ولدوا بها و من ثم اِرشادهم إلى طرق الاِستفادة منها و تسخيرها لاِلهام و اِرشاد جيل جديد يخلفها ..
كونك كاتب ولديك جمهور ما شاء الله من القراء والمتابعين هل تزداد عليك الواجبات اتجاه المجتمع وخصوصاً في زمن الأزمات؟
إن أول ما تمثله لي هذه الأعداد هو "العائلة " الملجأ و العرين ، نحن اليوم 800 ألاف روح مؤمنة بفكرة إسمها " المتمرد " و هذه أعظم مسؤولية أحملها على عاتقي منذ بداية حياتي.
بالطبع! تزداد مسؤولية كل مؤثر إتجاه جمهوره في الأزمات ، فيجب أن يكون الأخ و الأب و الصديق ، و يخاطب جمهوره عبر فنه أو مجاله الإبداعي ، ليمرر رسالته و نصيحته و ارشاداته بحل و إخلاص و نية حسنة في سبيل تهدأت الأوضاع و اتخاذ قرارات أكثر حكمة.
ماهي رسالتك لمجتمع الكُتاب ككاتب؟
رسالتي إلى مجتمع الكتاب: دعونا لا ننسى ذلك الكتاب الذي سيوضع في إحدى أيادينا عند الله عز و جل ، ذلك هو أهم كتاب سنكتبه في حياتنا!
ما هي قراءتكِ للمشهد الثقافي في الجزائر اليوم؟
إن خبرتي المتواضعة في مجال الكتابة و النشر تخبرني أن المشهد الثقافي في الجزائر يحتضر لأسباب لا تتعلق بالمجال غالبا ، و في ظل تفويت المعرض الدولي للكتاب لعامين متتالين ، يمكننا القول أن المشهد الثقافي يحتاج تدخلا سريعا قبل أن تتضرر أساساته من كتّاب و ناشرين و موزعين و مكتبين و تجار الكتب أكثر.
عبد الحليم في نظرك كيف يمكن بناء جسر بين النخبة المثقفة و البسطاء من الناس؟
أعتقد أن جواب هذا السؤال سهل و بسيط ، مالذي يمكن ان يكون جسرا بين النخبة المثقفة و البسطاء من الناس ، غير اللغة البسيطة و المعبرة " خير الكلام ما قلّ و دلْ " كما أشير إلى أن النخبة المثقفة بحاجة لأن تتواضع قليلا ليتم إستيعابها من قبل الجمهور و ذلك هو الأهم.
هل من مشاريع جديدة؟
بعد صدور روايتي الجديدة " الأليكسثيميا – اللا مفرداتية " و ثالث إصدار من سلسلة المتمرد "المتمرد 3 " بدار النشر الراقية "دار السهوب" أفكر في اِنطلاقة جديدة للموسم الثاني من أشهر سلسلة في كتبي سلسلة " اِنفصام ".
لا شيء يبقى غير الكلمات يا أستاذ عبد الحليم فكل إنسان زائل ولا يبقى منه غير كلماته. ماذا تريد أن تقول لك حرية الكلام؟
آخر كلمة " أحببتكم و هذا الكون في الله, شكرا لاِستضافتي معكم نقادا و كتّابا و صحفيين ، إن جانبي الإنساني يكِنُّ لكم إحتراما شديدا ، السلام عليكم "
حاورته: يعقوبي جنّة
اقرأ المقال الأصلي
يمكنك قراءة المقال الأصلي على موقع شهاب برس من خلال الرابط التالي:
اقرأ المقال من هنا